فوائد العسل لمرضى السكري

فوائد العسل لمرضى السكري: بين العلم والتوازن الغذائي

يُعتبر مرض السكري أحد التحديات الصحية الأكثر انتشاراً في العالم، ويشكل تغيير النمط الغذائي أحد الأعمدة الأساسية في إدارة هذا المرض. في هذا السياق، يثير العسل الطبيعي اهتماماً واسعاً كبديل محتمل للسكر الأبيض والمُحليات الصناعية، لما يحتوي عليه من مركبات طبيعية وخصائص دوائية. غير أن العلاقة بين العسل ومرض السكري معقدة وتستدعي فهماً علمياً دقيقاً لطبيعة السكري وتكوين العسل وتأثيراته على الجسم.

يحتوي العسل على أكثر من 180 مركباً نشطاً، من بينها السكريات الأحادية مثل الغلوكوز والفركتوز، بالإضافة إلى الفيتامينات، والمعادن، والأنزيمات، والمركبات الفينولية، ومضادات الأكسدة. هذا التركيب الفريد يمنح العسل خصائص مضادة للالتهابات ومضادة للأكسدة، ما قد يكون له دور إيجابي في حماية الخلايا من التلف الناتج عن الجذور الحرة، وهو أمر ذو أهمية خاصة لمرضى السكري المعرضين لمضاعفات التهابية وأكسدية مزمنة.

مؤشر السكر في العسل وتأثيره على مستوى الجلوكوز في الدم

يُعد “المؤشر الجلايسيمي” (GI) أداة مهمة في تقييم مدى تأثير الأطعمة على ارتفاع سكر الدم، ويقيس سرعة امتصاص الجسم للكربوهيدرات وتحولها إلى جلوكوز في الدم. يتراوح المؤشر الجلايسيمي للعسل بين 35 و65 حسب نوع العسل ومصدره، مما يجعله أقل نسبياً من السكر الأبيض (الذي يبلغ مؤشره حوالي 65 إلى 70). وبذلك، فإن العسل، خاصة الأصناف ذات المؤشر الجلايسيمي المنخفض، قد يسبب ارتفاعاً أبطأ وأقل حدة في سكر الدم، مما يخفف العبء على البنكرياس ويقلل من التقلبات الحادة في الغلوكوز، وهو أمر مهم في ضبط المرض.

المركبات الفعالة في العسل وتأثيرها المحتمل على السكري

العسل الطبيعي غني بمضادات الأكسدة، مثل الفلافونويدات والبوليفينولات، والتي تُسهم في تقليل الإجهاد التأكسدي، أحد العوامل المساهمة في تطور مقاومة الإنسولين. كما وُجد في بعض الدراسات أن العسل قد يؤدي إلى تحسين طفيف في مؤشرات التحكم بسكر الدم عند تناوله باعتدال وضمن إطار حمية منخفضة السكريات.

بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الأبحاث أن العسل يحتوي على مواد طبيعية قد تُحفز إفراز الإنسولين أو تحسن من حساسية الخلايا له، ما يساعد في تنظيم سكر الدم. من الجدير بالذكر أن هذه الفوائد تتوقف على نوع العسل المُستخدم وكميته، إذ تختلف الأصناف من حيث المكونات النشطة والتأثيرات الفسيولوجية.

الفروق بين أنواع العسل وأهميته لمرضى السكري

ليست كل أنواع العسل متساوية من حيث القيمة الغذائية والتأثير على الجسم. فمثلاً:

من هنا، يُنصح مرضى السكري باختيار الأنواع الطبيعية الخام وذات المؤشر الجلايسيمي المنخفض، مع تجنب العسل المصنع أو المضاف له السكريات الصناعية.

العسل كمُحلي بديل: الموازنة بين الطعم والصحة

رغم أن العسل يُعتبر مُحلياً طبيعياً، إلا أن استخدامه لمرضى السكري يجب أن يكون محكوماً بكميات دقيقة. ملعقة صغيرة من العسل (حوالي 7 غرامات) تحتوي على ما يقارب 5.7 غرام من السكر. لذلك، يمكن إدخاله في النظام الغذائي كبديل عن السكر الأبيض، شرط ألا يتجاوز المدخول اليومي من الكربوهيدرات الموصى به من قبل الطبيب أو اختصاصي التغذية.

عند تناول العسل ضمن وجبة غنية بالألياف والبروتينات والدهون الصحية، فإن تأثيره على سكر الدم يُصبح أقل، نتيجة لتباطؤ امتصاصه. على سبيل المثال، يمكن إضافة العسل إلى اللبن اليوناني أو الشوفان الكامل للحصول على فوائد العسل دون التسبب بارتفاع سريع في سكر الدم.

الفوائد المناعية والمضادة للالتهاب للعسل وتأثيرها غير المباشر على السكري

واحدة من المضاعفات المعروفة لمرض السكري هي الالتهابات المزمنة، وضعف المناعة، وتباطؤ التئام الجروح. العسل الطبيعي يمتلك خصائص مضادة للبكتيريا والفطريات، ويُستخدم موضعياً أيضاً في علاج تقرحات القدم السكرية ومشكلات الجلد لدى مرضى السكري. وقد أظهرت دراسات سريرية أن تطبيق العسل على الجروح يُعزز من التئامها ويقلل خطر العدوى، بفضل تركيبته الغنية بالأنزيمات والبيروكسيد الهيدروجيني ومضادات الأكسدة.

كما يُساهم العسل في تعزيز صحة الجهاز الهضمي عن طريق تنظيم البكتيريا النافعة في الأمعاء، والتي وُجد أن لها علاقة مباشرة بتنظيم سكر الدم وحساسية الإنسولين، ما يُعزز من الاستقرار الأيضي للمريض.

العسل وتأثيره النفسي لدى مرضى السكري

التحكم في السكر لا يقتصر فقط على الأدوية والتغذية، بل يشمل الجانب النفسي أيضاً. الشعور بالحرمان من الأطعمة المحببة يؤدي غالباً إلى اضطراب نفسي أو سلوكيات أكل مضطربة. إدخال العسل الطبيعي باعتدال ضمن النظام الغذائي قد يُحسن من شعور الرضا الغذائي للمريض ويقلل من احتمالية الإفراط في تناول الحلويات الصناعية، مما يساهم في الحفاظ على التوازن النفسي والسلوكي على المدى الطويل.

دور العسل في الوقاية من مضاعفات السكري

العديد من الدراسات تشير إلى أن مضادات الأكسدة في العسل قد تُقلل من فرص تطور مضاعفات مزمنة للسكري، مثل:

• الاعتلال العصبي السكري: من خلال تخفيف الالتهاب وتحسين تدفق الدم.

• الاعتلال الكلوي: عبر تقليل الإجهاد التأكسدي على خلايا الكلى.

• مشاكل القلب والأوعية: نتيجة لتحسين مؤشرات الدهون وتقليل الكوليسترول الضار.

• الاعتلال الشبكي: بفضل قدرته على الحد من الالتهابات الدقيقة التي تصيب أوعية العين.

نصائح هامة لاستخدام العسل لمرضى السكري

1. استشارة الطبيب أولاً: لا يجب إدخال العسل إلى النظام الغذائي دون استشارة طبيب مختص، خاصة في حالات السكري غير المنضبط.

2. الاعتدال في الكمية: من الأفضل ألا تتجاوز الحصة اليومية نصف ملعقة إلى ملعقة صغيرة فقط، حسب الحالة الصحية.

3. تجنب العسل المغشوش: يوصى بشراء العسل من مصادر موثوقة، وتجنب الأصناف التي تحتوي على سكريات مضافة أو شراب الذرة.

4. الدمج الذكي مع الأغذية: يمكن مزج العسل مع الحبوب الكاملة أو البروتينات لخفض تأثيره الجلايسيمي.

5. متابعة نسبة السكر: يُفضل قياس سكر الدم بعد تناول العسل لمراقبة التأثير الفعلي وتعديل الجرعة الغذائية أو الدوائية وفقاً لذلك.

خلاصة تركيبية علمية: هل العسل صديق أم عدو لمريض السكري؟

العسل، وإن كان غنياً بالعناصر المفيدة، يظل مصدراً للسكريات البسيطة التي تؤثر على مستوى الجلوكوز في الدم. إلا أن الاعتدال في استخدامه، واختيار النوع المناسب، وطريقة إدخاله ضمن النظام الغذائي، كلها عوامل تجعل منه خياراً غذائياً ممكناً وآمناً في بعض الحالات، بل وذو فائدة محتملة في تحسين المؤشرات الصحية العامة.

يبقى العسل عنصراً غذائياً طبيعياً قوياً، يحمل خصائص علاجية وتغذوية ذات أهمية، ولكن إدماجه في نظام مريض السكري يتطلب دقة وانضباطاً ومتابعة مستمرة لضمان الفائدة وتجنب الضرر.

المراجع العلمية:

• Erejuwa, O. O., Sulaiman, S. A., & Wahab, M. S. A. (2012). Honey–A novel antidiabetic agent. International Journal of Biological Sciences, 8(6), 913–934.

• American Diabetes Association. (2024). Standards of Medical Care in Diabetes—2024. Diabetes Care, 47(Supplement 1).